التحليل الفني من الألف إلى الياء | الجزء الثاني
اساسيات التحليل الفني
قبل التعمق في اساسيات التحليل الفني بشكل مفصل، سوف نبدأ بعرض مثال أولاً يمكننا من خلاله فهم فكرة قدرة التحليل الفني على توقع حركة السعر في المستقبل من خلال تاريخ حركة السعر. قد يبدو الأمر في بدايته محيرًا ولكنك ستكتشف معنا أن هذه الفكرة منطقية تمامًا. في المثال التالي نرى على الرسم البياني أعلاه وجود مستويات دعم فنية عند الأرقام (1 و3 و5 و6 و8 و 10) ومستويات مقاومة عند الأرقام (2 و 4 و 7 و 9)، وبمجرد أن يتم اختراق مستوى دعم معين فإنه يتحول إلى مقاومة والعكس صحيح. ويظهر من خلال هذا المثال أن السعر كلما ارتفع لنفس مستوى المقاومة الذي وصل إليه في الماضي فإنه يعود لحركة الانخفاض مرة أخرى وربما يكون هذا إلى نفس مستوى الدعم الذي كان عليه في الماضي وكأنه يتذكر أنه قد توقف هنا قبل ذلك فيتوقف بشكل تلقائي والوضع ذاته إن انعكس الاتجاه ودخل في منطقة سعر مختلفة.
مستويات الدعم والمقاومة في التحليل الفني |
مبادئ و اساسيات التحليل الفني
يقول المحللون الفنيون سواء في سوق الفوركس أو الأسهم او العملات الرقمية أن حركة أسعار التداول تعكس كل العوامل التي من شأنها التأثير على حركة أسعار التداول. لذلك فإن التحليل الفني يركز بدرجة كبيرة على البيانات التاريخية لحركة أسعار التداول بدلا من التركيز على العوامل المؤثرة على حركة أسعار التداول نفسها. وتكمن الفكرة الرئيسية في ذلك أيضا أن التاريخ يعيد نفسه. لذلك، عند دراسة حركة أسعار التداول السابقة وفهمها بصورة صحيحة، فإن ذلك قد يؤدي إلى توقع حركة المستقبل بصورة عالية الجودة، سواء في سوق الفوركس أو غيره من الأسواق المالية. كما يرى المحللون ان حركة الأسعار دائمًا ما تكون على شكل وصورة اتجاهات سواء هبوطية او صعودية او عرضية. وكل تلك الأفكار قام كبار المحللون بصياغتها تحت أسم اساسيات التحليل الفني.
اقرأ أيضًا: ما هو التحليل الفني؟
المبدأ الأول: حركة السوق تعكس تأثير العوامل المؤثرة عليه
بناءً على هذا المبدأ، يعتمد التحليل الفني على دراسة الأسعار فقط ولا يهتم بدراسة العوامل المؤثرة على حركة أسعار التداول، وذلك لأن تلك العوامل قد ظهر أثرها بالفعل على حركة أسعار التداول. وبالطبع يعتبر هذا عكس ما يؤمن به التحليل الأساسي بصورة كبيرة، حيث يهتم التحليل الأساسي بدراسة تلك العوامل وتحليلها ويضع على أساسها توقعات حركة أسعار التداول في المستقبل.
ويرى التحليل الفني أن الفترات التي يتحرك فيها السوق في موجات قوية، لا يكون السبب الحقيقي وراءها هو ما تعلن عنه الأخبار، خاصة وأن تلك الأخبار كانت قد فشلت في تحديد ما هي الأرباح المتوقعة أو التغيرات المتوقعة في العوائد، وبالتالي فإن حركة الأسعار تعتمد على العوامل الفنية أكثر من العوامل الخبرية.
المبدأ الثاني: أسعار التداول تتحرك على شكل اتجاهات
من أهم اساسيات التحليل الفني أن أسعار التداول تتحرك على شكل اتجاهات، إما صاعدة أو هابطة أو عرضية، وقد تم عرض التعريف الرئيسي للاتجاه من خلال نظرية “داو”.
مبدأ حركة أسعار التداول في اتجاهات |
لشرح تلك الفكرة لنلقي نظرة على مثال ولتكن عوائد السندات الامريكية خلال الفترة ما بين سبتمبر 2017 وأكتوبر 2018. كان هناك محلل فني يشير إلى أن ذلك الاتجاه في تلك الفترة يعتبر فرصة لبيع مؤشر الدولار، وكان هذا المنحنى يسجل ارتفاعًا في السعر لفترة طويلة حتى أن السعر كلما صعد قليلا كانت هناك قوى شرائية في السوق تؤدي إلى عودة ارتفاع المنحنى مرة أخرى. حتى أن حركة السعر كانت تشير إلى وجود قمم أعلى من القمم السابقة (قمم تصاعدية) وقيعان أعلى من القيعان السابقة (قيعان تصاعدية) مما يدل على وجود اتجاها صاعدًا في ذلك المنحنى. أي أن كلما انخفض السهم إلى مستوى معين ويرتد منه قليلا فإنه يعاود الانخفاض إلى مستوى جديد وهكذا.
وقد لاحظ هذا المحلل أن مسألة تكوين قيعان أعلى من القيعان السابقة وقمم أعلى من القمم السابقة لم تحدث إلا في تلك الفترة. وبعدها بدأت تظهر قمم متساوية مع بعضها البعض. وفي تلك الحالة أشار المحلل الفني إلى أن الاتجاه الصعودي بدأ يفقد قوته وأن أسعار التداول مرشحة للانعكاس إلى اتجاه هابط، وحينها بالفعل توقفت أسعار التداول عن الارتفاع وبدأت في تكوين قمم أقل من القمم السابقة وقيعان أقل من القيعان السابقة.
المبدأ الثالث: التاريخ يعيد نفسه
يؤمن المحللون الفنيون أن المستثمرين يكررون ما فعلوه في الماضي مرة أخرى في المستقبل. فعلى سبيل المثال عندما يقوم سهم معين بالارتداد من سعر معين، فإن المستثمرين يقولون بينهم وبين أنفسهم أنه في حالة عودة أسعار التداول لتلك المستويات فإننا سوف نقوم بالشراء حتما لأن أسعار التداول سوف ترتد منها مرة أخرى. وهذا فقط مجرد مثال على تكرار الحالة النفسية لدى المتعاملين (سواء في سوق الفوركس أو غيره من الأسواق المالية). وبالتالي يعتمد التحليل الفني على فكرة ان التاريخ يعيد نفسه وذلك لأن سلوك المستثمرين لا يتغير مع مرور الوقت وتظل طريقة عملهم ثابتة. ولهذا السبب فإنه يتم دراسة الماضي من أجل رسم سيناريوهات لتوقع حركة أسعار التداول في المستقبل.
ما هي نظرية الرأي المخالف في التحليل الفني ؟
لا يعتبر التحليل الفني محصورًا فقط على تطبيق اساسيات التحليل الفني على الرسوم البيانية، ولكنه يهتم بكل ما هو مطلوب من أجل تحديد الاتجاه الخاص بأسعار التداول. فعلى سبيل المثال، يتابع بعض المحللين الفنيين الاستفتاءات التي يتم عملها على بعض المستثمرين لمعرفة الحالة النفسية العامة لدى أولئك المستثمرين. وتقوم تلك الاستفتاءات بتحديد الحالة النفسية العامة للمستثمرين ما إن كانت سلبية أو إيجابية. ويتم استخدام تلك النتائج من أجل تحديد ما إن كان الاتجاه الحالي للأسعار سوف يستمر أم أنه اقترب من الانعكاس. ويتم الحصول على إشارات الانعكاس الهامة لدى المحللين عندما يروا المتعاملون في قمة التفاؤل أو في قمة التشاؤم، وذلك لأنهم إن كانوا متفائلين بصورة كبيرة فمعنى ذلك أنهم قد قاموا بالدخول بالفعل في السوق مما يعني انخفاض قوة المشتري النسبية مقارنة بالبائع مما يعني احتمال دخول السوق في موجة هابطة، والعكس صحيح، وتسمى تلك الطريقة في التحليل بنظرية الرأي المخالف.
كيف استخدام أساسيات التحليل الفني لوضع استراتيجية تداول ؟
التداول المعتمد على قواعد التحليل الفني هو عبارة عن وضع خطة مسبقة يتم فيها استخدام قواعد صارمة قبل الشروع في تنفيذ أمر التداول. وتختلف تلك الطريقة عن باقي طرق التحليل الفني وحتى التحليل الأساسي وذلك لأن تلك الطريقة تقوم على تحديد القواعد التي سوف تستخدمها عند تنفيذ كل أوامر التداول في الصفقات المستقبلية، مما يجعل احتمالات الخروج عن تلك القواعد منخفضة بصورة كبيرة. وتعتمد تلك الطريقة على التحليل واتخاذ القرار بناءً على بعض القواعد التي يتم تحديدها بصورة مسبقة وذلك من أجل تقليل نسبة الفشل وعدم تنفيذ قرارات خاطئة بقدر الإمكان. وحينها سوف يتم تجنب الجانب العاطفي من شخصية المتداول أثناء التداول في السوق. ويساعد هذا على التخلص من النتائج السلبية التي قد تنتج عنب عض المشاعر الإنسانية مثل الخوف والطمع.
كمثال بسيط، من الممكن أن يختار المتداول قواعد مثل أنه سوف يقوم بفتح مركز شراء كلما تقاطعت أسعار التداول مع المتوسط المتحرك 50 يوم، وأنه سوف يقوم بفتح مركز بيع كلما انخفضت أسعار التداول تحت المتوسط المتحرك وهكذا.
نظم التداول الآلية
تعتمد معظم طرق التداول التي يستخدمها الكثير من المتداولين في التحليل الفني على فكرة إتباع الاتجاه والعمل في نفس الاتجاه وليس عكسه. وقد قام الكثير من المحللين والمبرمجين بالكثير من الدراسات والأبحاث من أجل الوصول إلى نظم تداول آلية تعمل بشكل تلقائي من أجل تجنب الأخطاء بقدر الإمكان.
أشهر المؤسسات العالمية في دراسة التحليل الفني
ولعل من أشهر المؤسسات المعنية بالتحليل الفني على مستوى العالم هو الاتحاد الدولي للمحللين الفنيين، وهناك أيضا الجمعية الأمريكية للمحللين الفنيين في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى جمعية محللين السوق الأمريكية. وفي المملكة المتحدة فإنه هناك الجمعية البريطانية للمحللين الفنيين وفي كندا هناك الجمعية الكندية للمحللين الفنيين. وهناك الكثير من الجمعيات المعنية بهذا المجال والمنتشرة في جميع أنحاء العالم.
وقد عملت تلك الكيانات على تحديد الشروط اللازمة من أجل عمل الأشخاص كمحللين فنيين، وقامت بتطوير مناهج دراسية لضمان جودة تعليم تلك المادة في جميع أنحاء العالم. كما عملت على توعية المستثمرين بالتحليل الفني وفوائده وكيفية استخدامه وأسباب نجاحه، حتى بدأت تظهر بعض الاختبارات والشهادات التي يعتبر الحاصل عليها لديه رخصة لمزاولة مهنة التحليل الفني في الشركات مثل شهادة CMT والتي يتم الحصول عليها من الجمعية الأمريكية للمحللين الفنيين، وأيضا شهادة CFTe والتي يتم الحصول عليها من الاتحاد الدولي للمحللين الفنيين.
أشهر كتب التحليل الفني
قام العديد من كبار المحللين الفنيين في العالم بمشاركة أفكارهم بشأن اتجاهات السوق وكيفية الاستفادة منه والتربح بأفضل الطرق سواء في سوق العقود المستقبلية والسلع أو سوق الفوركس أو غيرهما من الأسواق المالية. وهناك الكثير من الكتب المفيدة بتلك الطريقة مثل كتاب Market wizards والذي شارك فيه كلا من “جون هنري” و”لاري هايت” و”إيد سيكوتا” و”ريتشارد دينيس” و”ويليام إيكاردت” و”بول تودور جونز”. ويذكر أن كل من أولئك المحللين الفنيين قد قاموا بتحقيق ثروات كبيرة من الأموال عن طريق استخدام التحليل الفني في الأسواق المالية –ومنها سوق الفوركس-وكان شعارهم الوحيد هو “الاتجاه صديقك”.
اقرأ أيضًا: التحليل الفني من الألف إلى الياء – الجزء الأول